فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إِلَى الله}:

.قال الفخر:

فيه وجوه:
الأول: التقدير: من أنصاري حال ذهابي إلى الله أو حال التجائي إلى الله.
والثاني: التقدير: من أنصاري إلى أن أبين أمر الله تعالى، وإلى أن أظهر دينه ويكون إلى هاهنا غاية كأنه أراد من يثبت على نصرتي إلى أن تتم دعوتي، ويظهر أمر الله تعالى.
الثالث: قال الأكثرون من أهل اللغة إلى هاهنا بمعنى مع قال تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالهم إلى أموالكم} [النساء: 2] أي معها، وقال صلى الله عليه وسلم: «الذود إلى الذود إبل» أي مع الذود.
قال الزجاج: كلمة {إلى} ليست بمعنى مع فإنك لو قلت ذهب زيد إلى عمرو لم يجز أن تقول: ذهب زيد مع عمرو لأن {إلى} تفيد الغاية و{مَّعَ} تفيد ضم الشيء إلى الشيء، بل المراد من قولنا أن {إلى} هاهنا بمعنى {معَ} هو أنه يفيد فائدتها من حيث أن المراد من يضيف نصرته إلى نصرة الله إياي وكذلك المراد من قوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالهم إلى أموالكم} [النساء: 2] أي لا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم، وكذلك قوله عليه السلام: «الذود إلى الذود إبل» معناه: الذود مضمومًا إلى الذود إبل.
والرابع: أن يكون المعنى من أنصاري فيما يكون قربة إلى الله ووسيلة إليه، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا ضحى «اللهم منك وإليك» أي تقربًا إليك، ويقول الرجل لغيره عند دعائه إياته {إلى} أي انضم إلى، فكذا هاهنا المعنى من أنصاري فيما يكون قربة إلى الله تعالى الخامس: أن يكون {إلى} بمعنى اللام كأنه قال: من أنصاري لله نظيره قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَهْدِى إِلَى الحق قُلِ الله يَهْدِى لِلْحَقّ} [يونس: 35] والسادس: تقدير الآية: من أنصاري في سبيل الله.
و(إلى) بمعنى (في) جائز، وهذا قول الحسن. اهـ.

.قال ابن عادل:

وقد رد أبو البقاء كونَها بمعنى: مع فقال: [وقيل: هي بمعنى: مع وليس بشيء؛ فإن إلَى لا تصلح أن تكون بمعنى مع ولا قياس يُعَضِّدُهُ.
وقيل: إن إلَى بمعنى اللام من أنصاري لله؟ كقوله: {يهدي إِلَى الحق}، كذا قدره الفارسي.
وقيل: ضمَّن أنصاري معنى الإضافة، أي: من يضيف نفسه إلى الله في نصرتي، فيكون {إلَى الله} متعلقًا بنفس {أنصاري}.
وقيل: متعلق بمحذوف على أنه حال من الياء في {أنْصَارِي} أي: مَنْ أنصاري ذَاهِبًا إلى الله ملتجِئًا إليه، قاله الزمخشريُّ.
وقيل: التقدير: من أنصاري إلى أن أبَيِّن أمر الله، وإلى أن أظهر دينه، ويكون {إلَى} هاهنا غاية؛ كأنه أراد: من يثبت على نصرتي إلى أن تتم دعوتي، ويظهر أمرُ الله؟
وقيل: المعنى: من أنصاري فيما يكون قربة إلى الله ووسيلة إليه؟
وفي الحديث: أنه عليه السلام كان يقول إذا ضَحَّى: «اللهمَّ مِنْكَ وإلَيْكَ» أي تقرّبنا إليك. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله}:

.قال الفخر:

ذكروا في لفظ {الحواري} وجوهًا:
الأول: أن الحواري اسم موضوع لخاصة الرجل، وخالصته، ومنه يقال للدقيق حواري، لأنه هو الخالص منه، وقال صلى الله عليه وسلم للزبير: «إنه ابن عمتي، وحواري من أمتي» والحواريات من النساء النقيات الألوان والجلود، فعلى هذا الحواريون هم صفوة الأنبياء الذي خلصوا وأخلصوا في التصديق بهم وفي نصرتهم.
القول الثاني: الحواري أصله من الحور، وهو شدة البياض، ومنه قيل للدقيق حواري، ومنه الأحور، والحور نقاء بياض العين، وحورت الثياب: بيضتها، وعلى هذا القول اختلفوا في أن أولئك لم سموا بهذا الاسم؟ فقال سعيد بن جبير: لبياض ثيابهم، وقيل كانوا قصارين، يبيضون الثياب، وقيل لأن قلوبهم كانت نقية طاهرة من كل نفاق وريبة فسموا بذلك مدحًا لهم، وإشارة إلى نقاء قلوبهم، كالثوب الأبيض، وهذا كما يقال فلان نقي الجيب، طاهر الذيل، إذا كان بعيدًا عن الأفعال الذميمة، وفلان دنس الثياب: إذا كان مقدمًا على ما لا ينبغي.
القول الثالث: قال الضحاك: مرّ عيسى عليه السلام بقوم من الذين كانوا يغسلون الثياب، فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا، والذي يغسل الثياب يسمى بلغة النبط هواري، وهو القصار فعربت هذه اللفظة فصارت حواري، وقال مقاتل بن سليمان: الحواريون: هم القصارون، وإذا عرفت أصل هذا اللفظ فقد صار بعرف الاستعمال دليلًا على خواص الرجل وبطانته. اهـ.

.قال ابن عادل:

والحواريون، جمع حواري، وهو النّاصرُ، وهو مصروفٌ- وإن ماثل مفاعل؛ لأن ياء النسب فيه عارضة ومثله حَوَاليّ- وهو المحتال- وهذا بخلاف: قَمَارِيّ وَبخَاتِيّ، فإنهما ممنوعان من الصرف، والفرق أن الياء في حواريّ وحواليّ- عارضة، بخلافها في قَمَاري وبخاتيّ فإنها موجودة- قبل جمعهما- في قولك قُمْريّ وبُخْتِيّ. والحواريّ: الناصر- كما تقدم- ويُسَمَّى كل من تبع نبيًا ونصره: حواريًا؛ تسمية له باسم أولئك؛ تشبيهًا بهم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم في الزبير: «ابن عمتي وحواريّ أمتي»، وفيه أيضا: «إنَّ لكل نبي حواريًّا وحواريي الزُّبَيْر»، وقال معمر قال قتادة: إن الحواريّين كلهم من قريش: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحمزة، وجعفر، وأبو عبيدةِ بن الجراح، وعثمان بن مَظْعُون وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وَقّاصِ وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوامِ- رضي الله عنهم أجمعين. وقيل: الحواريّ: هو صفوة الرجل وخالصته واشتقاقه من جِرتُ الثوب، أي: أخلصت بياضَه بالغَسْل، ومنه سُمِّي القَصَّار حواريًا؛ لتنظيفه الثياب، وفي التفسير: إن أتباع عيسى كانوا قصارين.
قال أبو عبيدة: سمي اصحاب عيسى الحواريون للبياض وكانوا قصارين.
وقال الفرزدق: [البسيط]
فَقُلْتُ: إنَّ الْحَوَارِيَّاتِ مَعْطَبَةٌ ** إذَا تَفَتَّلْنَ مِنْ تَحْتِ الْجَلاَبِيْبِ

يعني النساء؛ لبياضهن وصفاء لونهن- ولاسيما المترفِّهات- يقال لهن: الحواريات، ولذلك قال الزَّمَخْشَريُّ: وحواري الرَّجُلِ: صفوته وخالصته، ومنه قيل للحضريات: الحواريات؛ لخلوص ألوانهن ونظافتهن.
وأنشد لأبي حلزة اليشكري: [الطويل]
فَقُلْ للحَوَارِيَّاتِ: يبكين غيرَنا ** ولا تبكِنا إلا الكلابُ النوابحُ

ومنه سميت الحور العين؛ لبياضهن ونظافتهن، والاشتقاق من الحور، وهو تبيض الثياب وغيرها:
وقال الضّحّاكُ: هم الغَسَّالون وهم بلغة النبط- وهواري- بالهاء مكان الحاء-.
قال ابن الأنباري: فمن قال بهذا القول قال: هذا حرف اشتركت فيه لغة العرب ولغة النبطِ وهو قول مقاتل بن سليمان إن الحواريين هم القصارون.
وقيل: هم المجاهدون كذا نقله ابنُ الأنباريّ.
وأنشد: [الطويل]
وَنَحْنُ أُنَاسٌ تَمْلأُ البِيْضُ هَامُنَا ** وَنَحْنُ الحَوَارِيُّونَ يَوْمَ نُزَاحِفُ

جَمَاجِمُنَا يَوْمَ اللِّقَاءِ تُرُوسُنَا ** إلَى الْمَوْتِ نَمْشِي لَيْسَ فِينَا تَجَانُفُ

قال الواحديُّ: والمختار- من هذه الأقوال عند أهل اللغة- أن هذا الاسم لزمهم للبياض ثم ذكر ما تقدم عن أبي عبيدة.
وقال الراغبُ: حوَّرت الشيء: بيَّضت ودوَّرته، ومنه الخبز الحُوَّارَى، والحواريُّون: أنصار عيسى.
وقيل: اشتقاقه من حار يَحُور- أي: رَجَع. قال تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} [الانشقاق: 14]. أي لن يرجع، فكأنهم الراجعون إلى الله تعالى حار يحور حَوَرًا- أي: رجع- وحار يحور حَوَرًا- إذا تردَّد في مكانه ومنه: حار الماء في القدر، وحار في أمره، وتحيَّر فيه، وأصله تَحَيْوَرَ، فقُلِبَت الواوُ ياءً، فوزنه تَفَيْعَل، لا تفعَّل؛ إذْ لو كان تفعّل لقيل: تحوَّر نحو تجوَّز ومنه قيل للعود الذي تُشَدُّ عليه البكرة: مِحْوَر؛ لتردُّدِهِ، ومَحَارة الأذُنِ، لظاهره المنقعر- تشبيهًا بمحارة الماء؛ لتردُّد الهواء بالصوت كتردُّد الماء في المحارة، والقوم في حوارى أي: في تَرَدُّد إلى نقصان، ومنه: «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» وفيه تفسيران:
أحدهما: نعوذ بالله من التردُّد في الأمر بعد المُضِيِّ فيه.
والثاني: نعوذ بالله من النقصان والتردُّد في الحال بعد الزيادةِ فيها.
ويقال: حَارَ بعدما كان. والمحاورة: المرادَّة في الكلام، وكذلك التحاورُ، والحوار، ومنه: {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} [الكهف: 34] و{والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما} [المجادلة: 1] ومنه أيضا: كلمته فما رجع إليَّ حوارًا وحَوِيرًا ومَحُورة وما يعيش بحَوْر- أي: بعَقْل يرجع إليه. والحور: ظهور قَلِيلِ بَيَاض في العين من السواد، وذلك نهاية الحُسْنِ في العينِ، يقال- منه-: أحورت عينه، والمذكر أحور، والمؤنث حوراء والجمع فيهما حور- نحو حُمر في جمع أحمر وحمراء-.
وقيل: سُمِّيت الحوراءُ حوراء لذلك.
وقيل: اشتقاقهم من نقاء القلب وخلوصه وصدقه، قاله أبو البقاء والضَّحَّاك، وهو راجع للمعنى الأول من خلوص البياض، فهو مجاز عن التنظيف من الآثام، وما يشوب الدين.
قاله ابن المبارك: سُمُّوا بذلك؛ لما عليهم من أثر العبادة ونورها.
وقال رَوْحُ بن قَاسِم: سألت قتادةَ عن الحواريِّين، فقال: هم الذين تَصْلُح لهم الخلافةُ، وعنه أنه قال: الحواريون هم الوزراء.
والياء في حواريّ وحواليّ ليست للنسب، بل زيادة كزيادتها في كُرْسِيٍّ، وقرأ العامة الْحَوَارِيُّونَ بتشديد الياء في جميع القرآن، وقرأ الثَّقَفِي والنخعيّ بتخفيفها في جميع القرأن، قالوا: لأن التشديد ثقيل. اهـ.

.قال الألوسي:

ونقل جمع عن القفال أنه يجوز أن يكون بعضهم من الملوك وبعضهم من الصيادين وبعضهم من القصارين وبعضهم من الصباغين وبعضهم من سائر الناس وسموا جميعا بالحواريين لأنهم كانوا أنصار عيسى عليه السلام والمخلصين في محبته وطاعته.
والاشتقاق كيف كانوا هو الاشتقاق، ومأخذه إما أن يؤخذ حقيقيًا وإما أن يؤخذ مجازيًا وهو الأوفق بشأن أولئك الأنصار، وقيل: أنه مأخوذ من حار بمعنى رجع ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} [الإنشقاق: 14] وكأنهم سموا بذلك لرجوعهم إلى الله تعالى.
ومن الناس من فسر الحواري بالمجاهد فإن أريد بالجهاد ما هو المتبادر منه أشكل ذلك حيث أنه لم يصح أن عيسى عليه السلام أمر به؛ وادعاه بعضهم مستدلًا بقوله تعالى: {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ كُونُواْ أنصار الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أنصارى} [الصف: 14] ولا يخفى أن الآية ليست نصًا في المقصود لجواز أن يراد بالتأييد التأييد بالحجة وإعلاء الكلمة، وإن أريد بالجهاد جهاد النفس بتجريعها مرائر التكاليف لم يشكل ذلك. نعم استشكل أن عيسى عليه السلام إذا لم يكن مأمورًا بالقتال فما معنى طلبه الأنصار؟ وأجيب بأنه عليه السلام لما علم أن اليهود يريدون قتله استنصر للحماية منهم كما قاله الحسن ومجاهد ولم يستنصر للقتال معهم على الإيمان بما جاء به، وهذا هو الذي لم يؤمر به لا ذلك بل ربما يدعى أن ذلك مأمور به لوجوب المحافظة على حفظ النفس، وقد روي أن اليهود لما طلبوه ليقتلوه قال للحواريين: أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة على أن يلقى فيه شبهي فيقتل مكاني؟ فأجابه إلى ذلك بعضهم، وفي بعض الأناجيل أن اليهود لما أخذوا عيسى عليه السلام سل شمعون سيفه فضرب به عبدًا كان فيهم لرجل من الأحبار عظيم فرمى بإذنه فقال له عيسى عليه السلام: حسبك ثم أدنى أذن العبد فردها إلى موضعها فصارت كما كانت، وقيل: يجوز أن يكون طلب النصرة للتمكين من إقامة الحجة ولتمييز الموافق من المخالف وذلك لا يستدعي الأمر بالجهاد كما أمر نبينا روح جسد الوجود صلى الله عليه وسلم وهو الظاهر لمن أنصف، والمراد من أنصار الله أنصار دينه ورسوله وأعوانهما على ما هو المشهور. اهـ.

.قال الطبري:

وأشبه الأقوال التي ذكرنا في معنى الحواريين، قولُ من قال: سموا بذلك لبياض ثيابهم، ولأنهم كانوا غسّالين.
وذلك أن الحوَر عند العرب شدة البياض، ولذلك سمي الحُوَّارَى من الطعام حُوّارَى لشدة بياضه، ومنه قيل للرجل الشديد البياض مقلة العينين أحور، وللمرأة حوراء.
وقد يجوز أن يكون حواريو عيسى كانوا سُمُّوا بالذي ذكرنا، من تبييضهم الثيابَ، وأنهم كانوا قصّارين، فعرفوا بصحبة عيسى، واختياره إياهم لنفسه أصحابًا وأنصارًا، فجرى ذلك الاسم لهم، واستُعمل حتى صار كل خاصّة للرجل من أصحابه وأنصاره: حواريُّه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ لكلّ نبيَ حواريًّا، وَحوَاريَّ الزبير». اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقد أكثر المفسرون وأهل اللغة في احتمالات اشتقاقه واختلاف معناه وكلّ ذلك إلصاق بالكلمات التي فيها حروف الحاء والواو والراء لا يصحّ منه شيء.
والحواريون اثنا عشر رجلا وهم: سَمْعَان بطرس، وأخوه أندراوس، ويوحنا بن زبْدي، وأخوه يعقوب وهؤلاء كلّهم صيادو سَمك ومتَّى العشَّار وتوما وفيليبس، وبرثو لماوس، ويعقوب بن حلفي، ولباوس، وسمعان القانوى، ويهوذا الأسخريوطي. اهـ.

.قال الفخر:

اختلفوا في أن هؤلاء الحواريين من كانوا؟
فالقول الأول: أنه عليه السلام مرّ بهم وهم يصطادون السمك فقال لهم تعالوا نصطاد الناس قالوا: من أنت؟ قال: أنا عيسى ابن مريم، عبد الله ورسوله فطلبوا من المعجز على ما قال فلما أظهر المعجز آمنوا به، فهم الحواريون.
القول الثاني: قالوا: سلمته أمه إلى صباغ، فكان إذا أراد أن يعلمه شيئًا كان هو أعلم به منه وأراد الصباغ أن يغيب لبعض مهماته، فقال له: هاهنا ثياب مختلفة، وقد علمت على كل واحد علامة معينة، فاصبغها بتلك الألوان، بحيث يتم المقصود عند رجوعي، ثم غاب فطبخ عيسى عليه السلام جبًا واحدًا، وجعل الجميع فيه وقال: كوني بإذن الله كما أريد فرجع الصباغ فأخبره بما فعل فقال: قد أفسدت علي الثياب، قال: قم فانظر فكان يخرج ثوبًا أحمر، وثوبًا أخضر، وثوبًا أصفر كما كان يريد، إلى أن أخرج الجميع على الألوان التي أرادها، فتعجب الحاضرون منه، وآمنوا به فهم الحواريون.
القول الثالث: كانوا الحواريون اثنى عشر رجلًا اتبعوا عيسى عليه السلام، وكانوا إذا قالوا: يا روح الله جعنا، فيضرب بيده إلى الأرض، فيخرج لكل واحد رغيفان، وإذا عطشوا قالوا يا روح الله: عطشنا، فيضرب بيده إلى الأرض، فيخرج الماء فيشربون، فقالوا: من أفضل منا إذا شئنا أطعمتنا، وإذا شئنا سقيتنا، وقد آمنا بك فقال: أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل من كسبه فصاروا يغسلون الثياب بالكراء، فسموا حواريين.
القول الرابع: أنهم كانوا ملوكًا قالوا وذلك أن واحدًا من الملوك صنع طعامًا، وجمع الناس عليه، وكان عيسى عليه السلام على قصعة منها، فكانت القصعة لا تنقص، فذكروا هذه الواقعة لذلك الملك، فقال: تعرفونه، قالوا: نعم، فذهبوا بعيسى عليه السلام، قال: من أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم، قال فإني أترك ملكي وأتبعك فتبعه ذلك الملك مع أقاربه، فأولئك هم الحواريون قال القفال: ويجوز أن يكون بعض هؤلاء الحواريين الاثني عشر من الملوك، وبعضهم من صيادي السمك، وبعضهم من القصارين، والكل سموا بالحواريين لأنهم كانوا أنصار عيسى عليه السلام، وأعوانه، والمخلصين في محبته، وطاعته، وخدمته. اهـ.